مريم جبور لـ"جسور بوست": "أنين صامت" يسلط الضوء على حقوق مرضى التوحد و احتياجاتهم الإنسانية
تسعى لتقديم سينما منفتحة على الثقافات
-حاولت دائماً الاشتغال على مواضيع اجتماعية ذات بعد إنساني.. وفيلمي "أنين صامت" مستوحى من قصة حقيقية لكنه بأحداث خيالية
-الاشتغال على شخصية يونس (بطل الفيلم المريض بالتوحد) تطلب زيارة جمعيات ترافق الأطفال مرضى التوحد، وأطباء نفسانيين، وأشخاصاً يعانون من هذا الاضطراب
-شاهدت الكثير من الأفلام أبطالها (المرضى بالتوحد) في سن صغيرة أبرزَت كيف يتعامل معهم الناس وأنا حاولت مناقشة هذا الاضطراب عند الكبار
-طبيعة الفيلم حتمت علينا التركيز على الأحاسيس وتعابير الوجه والتعبير الجسدي ولذلك حاولت التقليل من الكلام
-أسعى إلى تقديم سينما منفتحة على ثقافات متعددة أعطي فيها أهمية كبيرة للأحاسيس عوض الحوارات
-اختيار الفيلم للمشاركة في مهرجان الإمارات السينمائي ومهرجان بلندن بداية موفقة له وخطوة تؤكد أن الفيلم يسير في نجاح
أجرى الحوار: سامي جولال
الفيلم القصير "أنين صامت" هو أحدث الأعمال السينمائية لكاتبة السيناريو والمخرجة المغربية، مريم جبور، التي تقرب من خلاله المشاهد من العالم الخاص بمرضى التوحد، وتطلعه على جانب من معاناتهم، ومعاناة محيطهم الأسري، وتفاصيل تعامل هذا الأخير معهم، مواصلة بذلك تعزيز هويتها السينمائية القائمة على طرح المواضيع الاجتماعية-الإنسانية، التي بدأتها بـ"العقم عند النساء" في فيلمها القصير الأول "وفاء"، وبعده "استغلال الأطفال في الشارع"، الذي تطرقت إليه في فيلمها القصير الثاني "الضوء الأحمر".
تدور أحداث الفيلم حول يونس (28 سنة)، مريض بالتوحد، يجسد شخصيته الممثل المغربي الشاب، سعيد الدحماني، يعيش رفقة والده، إدريس، الذي يجسد شخصيته الممثل المغربي الكبير، محمد خيي، في حي شعبي، بينما تغيب الأم عن المشهد.
يقضي يونس يومه وحيداً في المنزل، منشغلاً بصناعة مجسمات خشبية لبواخر، بينما يتجه الأب إلى البحر، لصيد الأسماك، التي يبيعها في أحد الأسواق، ويوازن بين ذلك وبين رعاية يونس، الذي يدخل من حين إلى آخر في نوبات حادة، يقف الأب عاجزاً أمامها، وتطغى على ملامحه مشاعر الحزن طوال الوقت، تكسرها أحياناً ابتسامات خفيفة عندما يرى ابنه هادئاً بعيداً عن النوبات.
"جسور بوست" تابعت الفيلم، وأجرت حواراً مع مريم جبور، حول أسباب اختيارها التطرق سينمائيّاً لهذا الموضوع، والتحضيرات القبلية، التي قامت بها، بصفتها كاتبة سيناريو ومخرجة العمل، وتلك التي قام بها الطاقم التمثيلي للفيلم، واقترابهم من العالم الخاص بمرضى التوحد، ليكون الفيلم أقرب ما يمكن إلى الواقع المعاش، إلى جانب أسباب اختيارها التركيز على إبراز علاقة مريض التوحد بمحيطه الأسري بدل محيطه المجتمعي الأوسع، إضافة إلى اعتمادها على الأحاسيس، والنظرات، وتعبيرات الأوجه، لغة تواصل أساسية بين شخصيات الفيلم مقابل ندرة الكلام، واختيار الفيلم للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان الإمارات السينمائي في دبي في دورته العاشرة، وفي المسابقة الرسمية لمهرجان first time film maker في لندن، وغيرها من الأمور الأخرى.
وإلى نص الحوار:
-بداية، ما الأسباب التي جعلتك تختارين الاشتغال على هذا الموضوع تحديداً؟
من خلال تجربتي بصفتي كاتبة سيناريو ومخرجة، حاولت دائماً الاشتغال على مواضيع اجتماعية ذات بعد إنساني، ففي فيلمي القصير الأول (وفاء) تطرقت لموضوع عقم النساء، وفي فيلمي القصير الثاني (الضوء الأحمر) تطرقت لموضوع استغلال الأطفال في الشارع، وقصة فيلمي الثالث "أنين صامت" مستوحاة من قصة حقيقية، تخص معاناة أب مع ابنه، الذي يعاني من اضطراب التوحد، والذي صادفته خلال اشتغالي في إحدى المدن المغربية، وحاولت في السيناريو الانطلاق من تلك المعاناة، لكن بأحداث وقصة جديدة.
ما التحضيرات التي قمتِ بها بصفتك مخرجة وكاتبة سيناريو الفيلم، وكذلك تلك التي قام بها الطاقم التمثيلي للعمل؟
كما سبق وذكرتُ، القصة مستوحاة من قصة حقيقية، لكن خلال كتابتي للسيناريو تم تطوير القصة بأحداثٍ، فأنت تعرف أن كاتب السيناريو إما يعتمد على قصة حقيقية بنسبة 100%، أو يضيف من الخيال، وفيلمي بأحداث خيالية، لكن الاشتغال على شخصية يونس (بطل الفيلم المريض بالتوحد) تطلب أولاً زيارة جمعيات متخصصة في مرافقة الأطفال، الذين يعانون من اضطراب التوحد، وقمنا بزيارة أطباء نفسانيين متخصصين في هذا الاضطراب.
من جهة أخرى، بالنسبة للطاقم التمثيلي للعمل، كان هناك اشتغال كبير مع الممثل سعيد الدحماني، الذي لعب شخصية يونس، وهي شخصية مركبة، وليست دوراً سهلاً، فقمنا بزيارة مجموعة من الأشخاص، الذين يعانون من هذا الاضطراب، ورأينا حالات مختلفة، أولاها الشخصية الحقيقية، التي جاءت منها فكرة الفيلم، وبعد ذلك دخلنا في مرحلة إدارة الممثل، التي استغرقت منا وقتاً طويلاً، ومنها استطعنا تحديد مستوى الاضطراب، الذي سيكون عند هذه الشخصية (يونس)، في ما يخص كيف يأكل، وكيف يشرب، ومستوى النوبات، التي يدخل فيها، وغيرها من الأمور الأخرى.
في الفيلم، ركزتِ على تسليط الضوء على علاقة مرضى التوحد بمحيطهم الأسري، من خلال علاقة يونس بوالده إدريس، دون أن نرى مواقف تجمع بين يونس ومحيطه المجتمعي الأوسع، باستثناء الرجل الذي قابله في مرسى المراكب في نهاية الفيلم، وكان الحوار بينهما بالأحاسيس والنظرات وتعبيرات الوجه بدل الكلمات، علماً أن احتواء الفيلم على مشاهد تبرز علاقة يونس بمحيطه المجتمعي الأوسع، كان سيعرف المشاهد على حياة هذه الفئة من الناس داخل المجتمع، وتعامل أفراد هذا الأخير معها.. ما تعليقك على هذا الأمر؟
بدايةً، حاولت أن أركز في الفيلم على معاناة الأب وكفاحه، في ظل غياب الأم، التي لا نراها نهائيّاً في الفيلم.
ثانياً، رأينا غياب علاقة يونس بعالمه الخارجي، لأنه يختار البقاء بعيداً عن الناس، بعد معاناته الكبيرة، التي تعرض لها في صغره، من تنمر، وتعرض للعنف من طرف أطفال آخرين، فبالتالي مشاهد الفيلم مرتبطة بسن معينة، وهي 28 سنة، التي اختار فيها الأب كذلك أن يترك يونس بعيداً عن المجتمع أو العالم الخارجي، ليتمكن من تخفيض نسبة النوبات، التي يدخل فيها.
كان هناك تواصل بين يونس والشخصية الثالثة في نهاية الفيلم كما رأيتَ، وذلك من خلال النظرات فقط.. كما نعرف، الناس الذين يعانون من الاضطراب (التوحد) من الصعب أن يتواصلوا مع ناس عاديين، لكن الشخصية الثالثة كانت تعاني أيضاً من هذا الاضطراب، لكن بحدة خفيفة، وكان التواصل بينهما سهلاً من خلال العينين، يعني تواصلاً بصريّاً، والشخصية الثالثة، كما نراها، يجمعها مع يونس قاسمان مشتركان، هما صنع مجسمات خشبية للبواخر، والاضطراب (التوحد)، فكان تواصل يونس مع هذه الشخصية الثالثة سهلاً.
قلتِ إن يونس تعرض خلال طفولته للتنمر ولمجموعة من المعاملات السيئة من طرف محيطه المجتمعي.. أليس الفيلم في حاجة إلى فْلَاشْ بَاكَاتْ تظهر هذا للمُشاهد، وتظهرين أيضاً من خلالها كيف يتعامل المجتمع مع هذه الفئة من الناس؟
السن التي حاولت أن أناقش فيها هذا الموضوع هي سن 28 سنة، بعدما أمضى يونس طفولته في التنمر، وتعامله مع العالم الخارجي، واعتدى عليه الأطفال، وأنا بصفتي كاتبة سيناريو شاهدت الكثير من الأفلام أبطالها (المرضى بالتوحد) في سن صغيرة، وعندما يكون البطل في هذه السن، من المؤكد أنه يخرج إلى الشارع ليلعب، وهناك رأينا الكثير من التنمرات، وكيف يتعامل الكثير من الناس مع هذا الشخص، الذي يعاني من هذا الاضطراب، يعني أنا لم أكن في حاجة في فيلمي إلى إظهار فلاش باك، لأقول هكذا يتعامل المجتمع مع الناس أصحاب هذا الاضطراب.
أنا حاولت مناقشة موضوع آخر، وهو الناس الذين يعانون من هذا الاضطراب في سن كبيرة، وناقشت الاضطراب في سن 28 سنة، لكن هناك ناس يعانون منه يبلغون من العمر 40 سنة، و45 سنة، و50 سنة، لكن أغلبيتنا لا يعرفونهم، وكأننا نحد دائماً مرض أو اضطراب التوحد من حيث التطرق إليه في دائرة الأطفال الصغار، وحاولت أن أتجنب شيئاً رأيناه سابقاً في الأفلام، ولم أكن في حاجة في فيلمي إلى تبيان كيف يتعامل المجتمع مع هؤلاء الأشخاص.
في أكثر من مرة، دخل يونس -بطل الفيلم المريض بالتوحد- في نوبات هلع، لكنها لم تكن مبررة بأسباب، إذ يدخل فجأة في تلك النوبات المرفوقة بصوت أمواج البحر في الخلفية، دون أن يُظهر الفيلم العوامل التي توصل يونس، ومن خلاله مرضى التوحد، إلى تلك الحالة.. أليس الفيلم في حاجة إلى توضيحات في هذا الجانب؟
من المعروف أن الأشخاص المصابين بالتوحد، يمكن أن يدخلوا في نوبات، بسبب رؤية شخص، أو سماع صوت معين يزعجهم، وفي مرات أخرى يمكن أن يدخلوا في نوبات نتيجة تخيلهم لشيء معين.
كما رأينا، شخصية يونس تدخل في نوبات نتيجة تخيلها لصوت الأمواج، كما حدث عندما عاد والده إلى المنزل، ووجده قد صنع مجسماً خشبيّاً لباخرة، وأمسك الأب بالباخرة، وقام بتمويجها، وبمجرد رؤية يونس لذلك التمويج، تخيل صوت الأمواج، ودخل في نوبة.
هنا، أنا أقول إن هناك نسبة من هؤلاء الناس، الذين يعانون من هذا الاضطراب، يمكن أن يدخلوا في نوبات بسبب خيالهم، وليس بالضرورة عندما يرون أو يسمعون شيئاً.
لكن أليس الفيلم في حاجة إلى توضيح سبب دخول يونس في نوبات عند تخيله لصوت الأمواج؟
هذا كان واضحاً في الجزء الأول من الفيلم، من خلال الأب، عندما يأخذ الباخرة، التي صنعها يونس، ويقوم بتمويجها، هنا يتخيل يونس صوت الأمواج، وهذا ظاهر في الفيلم، ويدخل في نوبة.
ما قصدته هو توضيح علاقة صوت الأمواج بالنوبة، التي يدخل فيها يونس.
الناس، الذين يعانون من هذا الاضطراب، يكون لديهم دائماً مشكل مع أشياء معينة، يمكن أن تكون صوت السيارات، أو صوت الأطفال الذين يصرخون في الشارع، وشخصية يونس لديها مشكل مع صوت الأمواج، مع أنه يصنع مجسمات خشبية للبواخر، وهذا أيضاً لدى الشخصية الحقيقية، التي استوحيت منها قصة الفيلم، كان لديه مشكل مع صوت الأمواج.
ألم يكن ممكناً اللجوء إلى فلاش باك يقدم للمشاهد تفسيراً حول سبب دخول يونس في تلك النوبات عند تخيله لصوت الأمواج؟
كان ذلك ممكناً.. أي شيء ممكن في الفيلم، فكما يمكننا كتابة أشياء من الخيال ليس ضروريّاً أن تكون حقيقية، أي الارتجال، يمكن أن نكتب أي شيء في الفيلم، لكن أنا حاولت تجنب الكتابة بالفلاش باكات، لأنه بالنسبة لي ليس ضروريّاً أن نعرف السبب.
الناس الذين يعانون من هذا الاضطراب، يمكن ألا يكون هناك تفسير لدخولهم في نوبات بسبب شيء معين، يعني أوتوماتيكيّاً تجد لديه مشكلاً مع هذا الصوت أو ذاك، وحتى شخصية يونس عندما كان صغيراً، لم يكن لديه سبب وراء مشكله مع صوت الأمواج، وليس ضروريّاً أن تكون هناك تفسيرات لدخوله في نوبات بسبب شيء معين.
الحوارات بين شخصيات الفيلم نادرة، وبدلاً منها جعلتِ التواصل بينها عبر الأحاسيس والنظرات وتعبيرات الأوجه.. ما الذي جعلك تختارين هذا النوع من التواصل بين شخصيات فيلمك؟
طبيعة الفيلم المرتبط بشكل كبير بمعاناة الأشخاص المصابين بطيف التوحد، حتمت علينا بشكل كبير التركيز على الأحاسيس، وتعابير الوجه، والتعبير الجسدي، لأنني قابلت الكثير من الناس، الذين يعانون من هذا الاضطراب، أغلبيتهم لا يتحدثون كثيراً، ولكن يتحركون كثيراً، ويقومون بإعادة الحركة كثيراً، لذلك حاولت أن أقلل من الكلام (في الفيلم)، ومن جهة ثانية أسعى إلى تقديم سينما منفتحة على ثقافات متعددة ومختلفة، أعطي فيها أهمية كبيرة للأحاسيس عوض الحوارات.
أعلنتِ عبر حسابك على فيسبوك أنه تم اختيار الفيلم للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان الإمارات السينمائي في دبي في دورته العاشرة، وكذلك في المسابقة الرسمية لمهرجان first time film maker في لندن.. كيف تم ذلك؟ وماذا يمثل هذا بالنسبة إليك؟
تم اختيار الفيلم للمشاركة في مسابقة في مهرجان الإمارات السينمائي في دبي (الدورة العاشرة)، وكذلك في مهرجان بلندن (مهرجان first time film maker).
أنا أرى حضور الفيلم في مهرجانات عالمية بداية موفقة له، وهذه خطوة تؤكد أن الفيلم يسير في نجاح، وأنا أقدم سينما، كما قلتُ لك سابقاً، منفتحة على ثقافات أخرى، وهو الشيء الذي أسعى إليه مستقبلاً إن شاء الله، وفي الفترة المقبلة سنرسل الفيلم إلى مهرجانات عالمية أخرى، للمشاركة في مسابقاتها.